أثر التغريب على تصميم الخطوط الطباعية العربية

مروة جادالله

خط “نيو هيلفيتيكا العربي” (Neue Helvetica Arabic)، نموذج نصي، من تصميم نادين شاهين

إذا أردتَ أن تصبح مصممًا للخطوط الطباعية العربية، هناك شيء غريب يجب أن تضعه في اعتبارك، ألا وهو تصميم الحروف اللاتينية وذلك لأن الكثير من العمل الخاص بتصميم الخطوط الطباعية العربية يتضمن إنشاء نسخ عربية لخطوط طباعية لاتينية صُمّمت من قبل، وتُعرف هذه العملية “بالمزاوجة التيبوغرافية” وقد بدأ استخدام الخط العربي –خارج إطار اللغة العربية نفسها لخدمة مَن كانوا يدرسون الإسلام دراسة أكاديمية أو جدلية– بعد قرابة قرن من ظهور الخط الطباعي اللاتيني، ويرجع السبب في ذلك إلى أن يوهان غوتنبرغ، مخترع الكتابة المطبعية اللاتينية المتحركة، لم يأخذ الخط العربي بعين الاعتبار عندما طوّر الطباعة، وتتكون الحروف العربية من 28 حرفًا وهذه الحروف لها أربعة أشكال: منفصلة وأولية ووسطية ونهائية، فيتطلب ذلك إنشاء عدد كبير من حروف الطباعة، وتستغرق هذه العملية وقتًا طويلاً. أما في عصرنا هذا، فقد سمح لنا الكمبيوتر أن نتواصل باللغة العربية بشكل يسير دون التفكير بالأشكال الكثيرة للحروف المختلفة، ومع هذا، فإن “المزاوجة التيبوغرافية” تأتي من هذا الإرث الغوتنبرغي نفسه.

في “المزاوجة التيبوغرافية”، يدرس المصمم حروف الخط الطباعي اللاتيني الذي يريد أن يصمم منه نسخةً عربيةً، ثم يقوم بدمج خصائصه أثناء تصميم أشكال الحروف العربية مع الحفاظ على مظهرها المادي كحروف عربية. ومن الأمثلة على ذلك خط “نيو هيلفيتيكا العربي” (Helvetica Neue Arabic) الذي صُمِّمَ بناءً على الخط الطباعي اللاتيني “نيو هيلفيتيكا”، وتُمثِّل المزاوجة التيبوغرافية خطابًا ثقافيًّا وعمليًّا ينخرط فيه مصممو الخط الطباعي والرقمي العربي في أثناء عملهم مع الخطوط الطباعية العربية، ونتيجة لذلك فهناك القليل من الخطوط الطباعية العربية التي يستطيع ناطقي اللغة العربية الاعتماد عليها في استعمالاتهم اليومية.

كيف يُصمَّم الخط الطباعي العربي؟

باسكال الزغبي، “29LT زرد تكست: خط طباعي مقروء وواضح”، خط 29LT زرد تكست (عربي ولاتيني)، ملصق لعيِّنة من نص، مدونة 29LT

لنرى كيف يقوم المصممون، خاصة البارزين منهم، من أمثال أرليت حداد بطرس ونادين شاهين وباسكال زغبي ويارا خوري نمور، وكرستيان سركيس ومأمون صقال، بتصميم الخطوط الطباعية. يحتاج مصمم الخط الطباعي العربي أن يكون على دراية بالخطوط العربية التراثية القديمة، مثل النسخ والرقعة، ليتمكّن من تصميم حروف مقروءة وأصيلة. على سبيل المثال، قد يستخدم المصمم خط النسخ كنقطةَ بداية لخط طباعي خاص بالاستعمال في المحتوى الكبير نظرًا لوضوحه، كالنسخة العربية من خط “29LT زرد تكست” لباسكال زغبي. لتصميم خط طباعي (أو محرف، كما يسمى أيضًا) للعرض، قد يبدأ المصمم بالخط الديواني كما فعل كريستيان سركيس أثناء تصميمه الخط الطباعي “ثريا”.

ومع هذا، فإن الغالبية العظمى من الناطقين بالعربية لم يجنوا ثمار العمل الهائل الذي قام به مصممو الخط الطباعي العربي، بل إن المعلمين والمهنيين في مجال الأعمال والناشطين وغيرهم من مستخدمي الكمبيوتر والخطوط الطباعية، بدلًا من ذلك، عادوا لاستعمال خطوط الكمبيوتر المعتادة، مثل النُّسخ العربية من خطوط “آريال” (Arial) “وتايمز نيو رومان” (Times New Roman)، وذلك لعدم وجود بدائل، وأيضًا، نجد أن بعض الخطوط العربية المتأثرة بالخطوط اللاتينية سيئة التصميم لأنها فقدت بعض الخصائص الجمالية للخط العربي، وفي بعض الحالات، تكون العناصر التقنية، كالروابط الموجودة بين الحروف العربية، مفقودة، الأمر الذي يجعل هذه الخطوط غير مكتملة.

تصميم الخط الطباعي العربي والتجربة الغربية

إن تصميم الخط الطباعي العربي مجال طَبَقي فأغلب مصممي الخط الطباعي العربي من الطبقات الاجتماعية العليا والمتوسطة العليا، وتلقوا تعليمهم في مؤسسات نيوليبرالية. ومع غياب برامج دراسية في العالم العربي تُقدِّم درجات علمية في تصميم الخطوط، فإن المصممين الذين يمتلكون الموارد اللازمة يسجلون عادةً في برامج مختارة في الخارج، مثل درجة الماجستير في تصميم الخط الطباعي من جامعة ريدينغ في المملكة المتحدة، وذلك لتحسين مهاراتهم في الخط الطباعي العربي، ولذا، تظهر المواقف النيوليبرالية لهؤلاء المصممين، مثلًا، في استخدام اللغة الإنجليزية بدلًا من العربية في المقالات والمقابلات التي تتحدث عن تصميم الخطوط الطباعية، (وقد تُرجم هذا المقال من أصل إنجليزي أيضًا!) وبطبيعة الأمر، لا يدرك الناطقون بالعربية وجود هذه الأعمال فيصبحون مغرَّبون عن مجتمع تصميم الخط الطباعي رغم أن من أدوار هذا المجتمع خدمة هؤلاء الناطقين بالعربية..

خضير البورسعيدي، لوحة لآية قرآنية بخط الثلث، جريدة الشروق

تُحدد وجهات النظر الغربية الجمهورَ الذي يستهدفه تصميم الخط الطباعي العربي في الغالب من خلال تفضيل تصنيفات معينة لأنواع الخطوط الطباعية، فمثلًا، يخدم تصميم الخط الطباعي اللاتيني استعمالين أساسيين وهما استعمال الخطوط في المحتوى الكبير، واستعمال الخطوط في العناوين أو العرض. اعتماد هذه الفئات في تصميم الخط الطباعي العربي يؤدي إلى استبعاد فئات محتملة أخرى مرتبطة بثقافة الخط العربي، فعلى عكس النص اللاتيني، تسمح الصفاتُ الجمالية للنص العربي، وخاصة اتصال الحروف بعضها ببعض، باستخدامه في التراكيب المعقدة لتزيين الجدران والمباني، ويظل الخط العربي من أهم ما يُستخدم في ديكور المنازل، وغالبًا يُستخدم في إبراز الآيات القرآنية، مثل أعمال الخطاط المصري البارز خضير البورسعيدي. أما اليوم، فإن بعض الأعمال الفنية تنشأ رقميًّا، ثم تصير بعد ذلك صورًا مطبوعةً. وفي الجانب المقابل، فإن تصنيفات الحروف اللاتينية لا تهتم بهذا الجانب الزخرفي للنص العربي، على الرغم من أن كثيرًا من التركيبات المعقدة تنشأ الآن باستخدام أدوات “فيكتور” (vector)، وهي نفس الأدوات التي تُستخدم في رقمنة الخطوط. 

وعاء أبيض وأسود مع نقش عربي، نص مكتوب بالخط الكوفي، رقم المُدخل:  AKM839، © متحف الآغا خان
المصحف الأزرق، محتوى كبير بالخط الكوفي، رقم المُدخل: AKM248، © متحف الآغا خان

ويُعد تصنيف الخطوط الطباعية إلى خطوط خاصة بالمحتوى وخطوط خاصة بالعناوين أو العرض تصنيف واسع لدرجة أنه لا يشمل جانبًا مهمًا من الثقافة العربية (والإسلامية) وهو النص المقدس، فمعظم المسلمين لديهم نسخة من القرآن، وغالبًا ما تكون مكتوبة بخط النسخ لتسهيل القراءة، والنص القرآني يجب أن يكون كامل التشكيل، إضافةً إلى رموز أخرى تضاف إلى النص لبيان أحكام قراءته، مثل علامات الضبط والوقف التي تُظهر للقارئ متى يقف ومتى يواصل القراءة وكيف ينطق الكلمات، وكل هذا يفرض على المصمم تصميم المزيد من الأشكال للمصحف الذي يستخدم أشكالًا أكثر من أي تطبيق آخر لنصٍ مكتوب. أيضًا، إذا تتبّعنا تاريخ استخدام الخطوط العربية، وجدنا أن معظمها، ومنها الخط الكوفي، يُستعمَل في المحتوى وفي العرض أو العناوين لتزيين الجدران والمباني، ويتطلب ذلك تحديد فئات أخرى لتصنيف الخطوط العربية. تتأثر أيضًا أشكال الحروف العربية، على عكس النص اللاتيني المعاصر، بنِسَب خطية معينة وبمقاييس معينة، مثل مقياس نظام النقاط، ولا يمكن فقط إجبارها على التوصيفات الشائعة للخط اللاتيني من خطوط طباعية ذات الأسنان الرقيقة الصغيرة (serif) في نهايات الحروف والخطوط الطباعية التي لا تحويها (sans serif) وذلك لأن الحروف العربية لم تُعرَّف تقليديًّا بوجود تلك الأسنان الرقيقة.

في الأعلى: خط طباعي “تايمز نيو رومان” (Times New Roman) ذو أسنان رقيقة (serifs) مُعلَّمة باللون الأحمر، وفي الأسفل: خط كاليبري (Calibri) بلا أسنان (sans serif)

بالإضافة إلى ذلك، يتجه الخط الطباعي العربي نحو رؤية أكثر علمانية، وقد زعم الخطاط السوري الشهير منير الشعراني أن الخط العربي ليس له علاقة بالدين [الإسلامي]، بل هو نتاج للتقدم الحضاري، وأن الدين استفاد من الخط العربي وليس العكس، ولكن رأيه هذا ينفي أن بداية توحيد معايير الخط العربي تزامنت مع استخدامه في نَسْخ القرآن على يد الخطاطين الناطقين بالعربية، من أمثال ابن مقلة، الذين عملوا تحت مظلة إسلامية، لأن الثقافات العربية كانت، إلى حد كبير، شفهية قبل ظهور الإسلام، ورأينا من غير المسلمين أيضًا مَن استعمل خطوطًا مثل النَّسْخ في نصوصهم الدينية، وإنكار هذا التاريخ يُعد تصنيمًا للخط العربي بصفته موضوع دراسة، ومن ثَمّ تغريبه من سياقه الثقافي، ونستطيع أن نرى هناك توازٍ غريب مع الحقبة الاستعمارية عندما نُقلت القِطَع الأثرية من المشرق والمغرب ووُضعت في المتاحف الأوروبية التي لا تزال غير متاحة لمعظم الناطقين بالعربية، وأصبحت مواقع الإنترنت التي تعمل على تقديم الخط الطباعي العربي مثل هذه المتاحف صعبة المنال لأن الناطقين بالعربية لا يمكنهم الاستفادة منها عمليًّا أو تحمُّل تكاليفها.

وأصبحت مواقع الإنترنت التي تعمل على تقديم الخط الطباعي العربي مثل هذه المتاحف صعبة المنال لأن الناطقين بالعربية لا يمكنهم الاستفادة منها عمليًّا أو تحمُّل تكاليفها.

مخطوطة بالخطين العربي (النسخ) والقبطي، دير القديس الأنبا مقار، وادي النطرون، مصر، القرن الرابع عشر، رقم مشروع HMML: ABMQ00017 ،© vHMML

عالم مُعولَم وحلول محتملة

في عالمنا هذا الذي يتجه إلى كل ما هو غربي، يرتبط النجاح عمومًا بأي عمل يخرج بالإنجليزية ويفيد الشركات متعددة الجنسيات المبنية على التعريفات النيوليبرالية للتنمية، ومع وجود بعض الاستثناءات، فإن معظم المصادر المتعلقة بتصميم الخطوط الطباعية العربية مكتوبة بالإنجليزية. وكذلك، فإن كثيرًا من الخطوط العربية تُصمَّم خصيصًا للشركات متعددة الجنسيات، مثل أبل وآي بي إم، ولا يمكن بيعها أو تنزيلها. أما الخطوط الطباعية الأخرى، فتكون باهظة الثمن وسعرها لا يُحدّد بناءً على ظروف العالم العربي، وإضافةً إلى هذا، فإن الرفض النيوليبرالي لمفاهيم الهوية المرتبطة بالدين التي كانت لها أهميتها في تطور الخط العربي يحوِّل الخط العربي إلى مادة استهلاكية تستخدمها الشركات لتحقيق مكاسب مالية، بعيدًا عن أهميته التاريخية والثقافية، إضافةً إلى أهميته البصرية. كذلك، بينما تتيح أمريكا الشمالية وأوروبا فرصًا، كالمِنَح والجوائز، للتميّز في تصميم الخط الطباعي، لا تُدعَم أعمال تصميم الخطوط الطباعية في العالم العربي عامةً، وهو ما يصنع عائقًا مؤسسيًّا في طريق جهود تصميم الخطوط الطباعية العربية في العالم العربي نفسه.

محمد جابر، خط “كايرو”، مصنع كيف للخطوط

في الوقت الذي تستمر فيه هذه المشكلات، نرى من الفنانين والمهنيين من يقدم طرق لإيصال الخط الطباعي العربي إلى العالم العربي، وإحدى هذه الطرق تتضمن استخدام التراخيص مفتوحة المصدر (open-source licenses) لإنشاء خطوط طباعية مجانية ومتاحة للعامة على الإنترنت، ويمكن لأي شخص لديه حاسوب واتصال بالإنترنت استخدام الملفات الأصلية لهذه الخطوط وتعديلها. يقدم مصنع الحروف كيف، الذي أسسه المصمم محمد جابر، خطوطًا طباعية مفتوحة المصدر، ويتلقَّى جابر تمويلَه من خطوط جوجل، ولأنه قادم من مستوى اجتماعي متواضع في مصر، فهو يتفهم الحاجة إلى “مصنع خطوط مجتمعي” حيث يمكن لأي شخص يحتاج إلى خط طباعي عربي ذي تصميم جيد أن يعثر عليه، ويرى محمد جابر أيضًا أن ملفات الخطوط مفتوحة المصدر هذه موارد تعليمية يستطيع المصممون المبتدئون استخدامها لمعرفة كيفية تكوين الحروف، وفي عدة مناسبات، رأيت نماذج من خطوط صممها محمد جابر كخطَّي “كايرو” و“المسيري” يقوم باستخدامهما الشركات والنشطاء وقد استخدمتهما بنفسي، وهناك أيضًا خالد حسني الذي ابتكر خطوطًا طباعية مفتوحة المصدر، مثل خط “الأميري” المبني على خط النَّسْخ والذي أنشأه حسني مع مراعاة احتياجات المصحف، وكذلك خط “قاهري” الذي يستند إلى الخط الكوفي المُصحفي، وتحمل هذه الخطوط الطباعية رخصة مفتوحة المصدر والتي تسمح لمصممين آخرين في جميع أنحاء العالم بالتفاعل معها وتطويرها.

خالد حسني، خط “قاهري”، جيت هب

وهناك مبادرات أخرى تقدم مواد تعليمية خاصة بالخط الطباعي العربي باللغة العربية. وقد أسَّست هدى سميتسهوزن أبي فارس دار النشر “خط بوكس” في هولندا التي تُعد ذراعًا لمؤسسة خط، وتهتم المؤسسة بنشر أبحاث خاصة بتصميم الخطوط الطباعية من خلال كتب ثنائية اللغة، بالعربية والإنجليزية، ورغم ذلك، لا يستطيع الناطقون بالعربية الوصول إلى هذه الكتب إلى حد كبير لأنها غير متوفرة بشكل مطبوع في العالم العربي، وتُنتَج بناءً على القوة الشرائية للجمهور الأوروبي المهتم بالفن، الأمر الذي يجعلها باهظة الثمن للناطقين بالعربية في العالم العربي، وفي هذا السياق، نذكر أيضًا مختبر الحروف الذي أسسته بهية شهاب التي أَجْرَت خزينة مقابلة معها مؤخرًا، ويتيح هذا المختبر المعرفة عن الخط الطباعي العربي مجانًا على الإنترنت باللغتين العربية والإنجليزية، وذلك عن طريق الصور والمقالات القصيرة والمحادثات، وسيطلق مختبر الحروف موسوعة مفتوحة المصدر للحروف العربية لأي شخص مهتم بالخطوط العربية. وهناك أيضًا محاولات علمية لتعريف تشريح الحرف العربي بالعربية، كما حدث في عمل باسكال زغبي الذي يقارن بين تشريح الحروف العربية واللاتينية، وعمل عزة علم الدين الذي يقوم بتشريح حروف الخط الطباعي العربي في ضوء المصطلحات التاريخية لفن الخط العربي.

حسين الأزعط وعلي المصري، “مكتبة المحتسب”، صورة للمسات النهائية لإعادة تصميم واجهة المكتبة، موقع واجهة

وهناك كذلك واجهة، وهي مبادرة اجتماعية أخرى تهدف إلى تحسين المشهد الثقافي البصري في عَمان بالأردن، وهذا عن طريق تصميم هويات بصرية وواجهات للمحلات الصغيرة مجانًا لمن لا يستطيع تحمُّل تكاليف خدمات التصميم، ولا ننسى حسين الأزعط وعلي المصري اللذين أسَّسا واجهة، ويقوم منهجهما في التصميم على التعرُّف، قبل البدء في العمل، على تاريخ المتجر من صاحبه ومعرفة تصوراته له، ثم ينشئون بعدها خطوطًا عربية جيدة التصميم لواجهة المحل ولافتات وغيرها من الأدوات المكتبية، وقاموا بإشراك أحد الخطاطين المحليين في جهودهم، وينتج عن ذلك هوية بصرية تمثّل المالك ومتجره وثقافة المجتمع.

تحدي المفاهيم النيوليبرالية

لا تزال هناك حاجة لتحدي المفاهيم النيوليبرالية في تصميم الخطوط التي تتعارض مع احتياجات الناطقين بالعربية. بينما كانت المزاوجة التيبوغرافية خطوة أولى مهمة نحو التعلم عندما كان تصميم الخطوط الطباعية العربية لا يزال في خطواته الأولى، آن الأوان لتجاوز هذه المرحلة والانتقال إلى مرحلة تصميم الخطوط الطباعية العربية بفعالية أكبر لخدمة احتياجات الناطقين بالعربية، فهناك حاجة إلى إيجاد مساحة مادية أو رقمية مستقلة للحوار حول تصميم الخطوط العربية مع إعطاء الأولوية لما يحتاجه الناطقين بالعربية، ويجب إشراكهم في عملية إنشاء خطوط طباعية عربية يمكنهم الارتباط بها واستخدامها، ولعل إحدى الطرق إلى هذا الهدف هو اختبار مقروئية الخطوط الطباعية المختلفة، وهو ما فعلته سارة شبل عندما عملت على تصميم خطها الطباعي العربي “كلمون” المُصمَّم لكتب الأطفال الدراسية، ويمكن أيضًا اختبار ما يراه الناطقون بالعربية مهمًّا من الناحية الثقافية عن طريق استكشاف ما هو موجود عامةً على أرفف كتبهم –المادية والرقمية– وتوثيق الاتجاهات في اهتماماتهم واحتياجاتهم الاجتماعية.

حسين الأزعط وعلي المصري، صالون حلاقةأبو أحمد”، خطاط الإعلانات المحلي عبد الرحمن الجوخي يرسم لافتة واجهة المحل، موقع واجهة

وكذلك، يجب أن يعاد توجيه التمويل الأجنبي والمحلي إلى المبادرات والبرامج التي تسمح للطلاب الناطقين بالعربية أن يتعلَّموا تصميم الخطوط الطباعية العربية محليًّا وباللغة العربية دون الاضطرار إلى السفر إلى أوروبا أو الأمريكتين، وهذا التوجه يقلِّل من نفقات السفر ويعالج عائق اللغة ويشجِّع ولاء المصممين لثقافتهم، وذلك من خلال العمل مع الخطاطين المحليين والانخراط مع مجتمعهم من الناطقين بالعربية.

وهنا، أتوقف لأسأل عن مدى تأثر اللغات الأخرى كالفارسية والبشتوية والأردية والكردية الوسطى التي تستخدم النص العربي بظهور الاغتراب المتجلّي في عملية المزاوجة التيبوغرافية، خاصة اللغات الذي لا تلعب دورًا كبيرًا في مشهد الخطوط الطباعية والتي لها متطلبات لغوية محددة. وما الثقافات التي ينتمي إليها مَن يتحدثون هذه اللغات؟ ولماذا لا يشاركون في عملية تصميم الخطوط الطباعية؟ الإجابات عن كل هذه الأسئلة ستسمح للمصممين بتجاوز الكثير من “التجانس الصناعي” الذي حدد بيئاتنا المكتوبة، سواء على الإنترنت أم في صورة مطبوعة.

وأخيرًا، لا يسعني إلا أن أتوجه بجزيل الشكر لنادرة منصور على ما أَوْلَتني به من توجيهات رائعة، وعلى صبرها الجميل، في أثناء عملنا معًا على هذا المقال، هذا كله إضافةً إلى ما تتمتع به من رؤية مستبصرة عن أسلوب الكتابة والشمولية، ولولا  كل ذلك ما ظهر هذا المقال في صورته هذه، والأهم من ذلك كله أشكرها على صداقتها.

نشكر شركة ميتالينجوال على جهودهم في الترجمة.

تخرجت مروة جادالله من برنامج التصميم الجرافيكي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. تهتم بالخط العربي والرسوم التوضيحية وقدرتها على نقل الأفكار المجرّدة، وقد قدّمت أعمال رسوم مصورة وتوضيحية. جادالله مهتمة أيضًا بقضايا المعرفة وإتاحة المصادر في العالم العربي، وخاصة في مجال الفنون.